تعريف : سياسة القطيع
يتغذّى سلوك القطيع، على نحو خاص، من إرث سياسي، واجتماعي، وديني، ضارب الجذور،
ويوجد لسلوك القطيع العديد من التعريفات والمعاني منها
انسياق فرد إلى فعل مشترك مع أفراد آخرين، أو مع الجموع، دونما تفكير بمبرراته، أو معرفة من يحركه، أو ماذا يتوخى منه، وهو قد يكون بدائياً، أنتجته الحميات الدينية أو القومية أو القبلية، عبر صيرورة تاريخية، طويل الأمد، وقد يكون حديثاً، صنعته الطبقات المسيطرة في المجتمعات الغربية المعاصرة، بغية حماية مصالحها، وقد يكون هجيناً، أي ثمرة مزاوجة الموروث الثقافي بمصالح السلطة، لا سيما في العالم الثالث.
مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون لها دون كثير من التفكير أو التخطيط. هذا المصطلح في الأساس يطلق على تصرف الحيوانات في القطيع أو السرب. كما يطلق أيضا على سلوك الطلاب في المدارس أو الأشخاص خلال أنشطة مختلفة كالفرار من الحوادث أو نشاط سوق الأسهم.و يمكن أن تصنف المظاهرات في الشوارع كذلك ضمن هذا النوع من السلوك.مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون لها دون كثير من التفكير أو التخطيط.
- وسياسة القطيع تجعل الناس أسرى لفكرة اليونيفورم ( uniform ) وهي سياسة الزى الموحد.
سلوك القطيع عند الحيوانات
يعتبر فرار الحيوانات من الحيوانات المفترسة تمثيلا جيدا لسلوك القطيع عند الحيوانات. ذكر عالم الأحياء هاملتون في مقالته: "هندسة القطيع الأناني " أن كل عضو في مجموعة ما(كما في قطيع من الحيوانات) يخدم نفسه بالدرجة الأولى حيث يقلل الخطر عن نفسه بالدخول مع الجماعة والتطبع بسلوكهم. هكذا يظهر القطيع إذن بمظهر الوحدة الواحدة وهو في حقيقة الأمر يخدم مصالح الأفراد أنفسهم
وضع الباحثون خمسة قرود في قفص مع سلم عليه ثمرة موز، وعندما حاول قرد الوصول إلى الموز، تم رش الباقين بالماء البارد، مما دفعهم إلى ضرب من يحاول صعود السلم باعتباره هو السبب في رشهم بالماء. وبعد استبدال أحد القردة بآخر جديد داخل المجموعة، سارع القرد الجديد نحو الموز، فانهال عليه الباقون ضربا دون أن يعرف السبب.
وعندما تم استبدال قرد آخر، كان القرد الذي سبقه هو أول من قام بضربه. وبعد تغيير جميع القردة بمجموعة جديدة لم تخض تجربة رش الماء البارد، كانت المفاجأة أنهم أظهروا الإصرار نفسه على ضرب من يحاول صعود السلم. وافترض الباحثون أننا لو سألنا القردة: لماذا تفعلين هذا؟ فسيكون جوابها: لأن هذا ما يحدث هنا
سلوك الأشخاص في الحشود والمظاهرات
نقصد به السلوك الذي يقوم به الأشخاص الذين ينتمون لجماعة ما عندما يقومون بالتظاهر احتجاجا على وضعهم أو على قرار لم يعجبهم، أو عندما يقوم من ينتمي لطائفة أو عرق معين بالدفاع عن عرقه وطائفته. حيث يلجأ هؤلاء الافراد إلى التجمهر في مكان ما والتصرف بطريقة غوغائية عشوائية، فينتج عنه إصابات أو وفيات في كثير من الأحيان. والأمثلة في ذلك كثيرة، ونورد منها على سبيل المثال ما حدث أثناء تقسيم الهند. تبادل السكان بين الهند وباكستان جلب الملايين من المسلمين والهندوس، الذين أقاموا بجوار بعضهم، ما نتج عنه أعمال عنف قدر عدد القتلى فيها بين 200,000 ومليون قتيل.من الأمثلة أيضا الأحداث الرياضية حيث تحدث فيها أعمال شغب وعنف عندما يفوز فريقه أو يهزم.
سلوك الأشخاص في قراراتهم اليومية
يظهر "سلوك القطيع" عند الأشخاص في اتخاذهم لقراراتهم الشخصية، حيث يقرر الشخص قراراته الروتينية بناء على المعارف والمهارات التي يكتسبها من الآخرين أو بناء على التصرف الذي يراه من الآخرين. على سبيل المثال، نفرض أن شخصا خرج في أحد الليالي يبحث عن مطعم يتناول فيه عشاءه، فمر على مطعمين (أ) و(ب)، وكانا في نفس المستوى من ناحية المظهر الخارجي والخدمة المقدمة، لكن المطعم (أ) كان به زبائن، بينما (ب) كان فارغا، سنجد أن الرجل يتوجه تلقائيا إلى المطعم (أ) معتقدا أن وجود الناس فيه لابد وأن يعني أنه أفضل.
سلوك الأشخاص في الإنترنت
من أوضح وأظهر الأمثلة لـ"سلوك القطيع"، حين يقوم الأشخاص مثلا بتمرير رسالة أو نشر موضوع دون التأكد من مصدره، فقط لمجرد أن مرسل الرسالة قال له: "أرسل الرسالة لأكبر عدد ممكن"، وكذلك عن الرد علي أحد الموضوعات باتجاه معين نجد أغلب التعليقات تأخذ نفس اتجاه هذا التعليق!
وقد أظهرت نتائج دراسات للتحقق من نشاط الدماغ في هذه الحالة، أن المشاركين يغيرون اختياراتهم عندما يجدونها تتعارض مع رأي المجموعة، وكشفت بيانات الرنين المغناطيسي أن الصراع مع معايير المجموعة ينشّط المناطق المختصة بالتكيف السلوكي في الدماغ، حيث تؤثر توجهات المجموعة على الإدراك وصنع القرار، مما يجعل الأفراد يغيرون آراءهم وسلوكياتهم للتوافق معها.
سلوك القطيع في المجتمعات البشرية
أجريت العديد من البحوث على الأشخاص لفهم تصرف البشر في الجماعة الواحدة عندما يقومون بالتصرف بسلوك متشابه في نفس الوقت أي ما يعرف بـ"أخلاق القطيع" أو سلوك القطيع"، فوجدوا أنه في الجماعة الواحدة، يميل الأشخاص الأقل مركزا أو الاقل تأثيرا في الجماعة إلى التصرف بسلوك من هم أعلى مركزا أو أحسن حالة وظيفية أو اجتماعية. ومن أشهر الأمثلة على سلوك القطيع في المجتمعات البشرية: سلوك الأشخاص في سوق الأسهم، وأثناء المظاهرات، وأثناء اتخاذهم للقرارات الروتينية.
- ولأن عقلية القطيع نشأت وترعرعت وقُطع حبل سرتها في زمن الجهل، وندرة المتعلمين، وغياب الوعي الحقيقي والثقافة الحقيقية، فقد لاقت قبولاً كبيرا في شتى الأوساط الاجتماعية، ولم يعد بوسع من يستنكرها أن يرفضها أو يتملص منها لسبب بسيط، وهي أنها وفرت للجميع مَهرباً لائقاً لتفسير السلوك العام بكل نقائصه، وطريقاً لرفع اللوم عن ممارسات معينة، بحيث لو أنك سألت أحدهم لماذا فعلت هذا ؟ لجاءت الإجابة على الفور : والله يا أخي حالي حال الناس .!
وهي إجابة تنطوي على الكثير من الهروب، لكنها في نظر العامة إجابة مقنعة لأنه يترتب على من يُريد المنطق أن يسأل الجميع ليحدد لب المسؤولية، مما يضيع دم الحقيقة بين قبائل القطيع، ويُخلي المسؤولية الفردية أو هكذا يتوهمون .
في صالة انتظار إحدى العيادات، يتم إطلاق نغمة يقف بعدها الجميع، مما يلفت انتباه الشخصية المستهدفة بالاختبار، فتضطر لمجاراة الآخرين وتقف بعد ثلاثة تنبيهات دون أن تعرف سببا لذلك. وتظل تقف عند سماع النغمة حتى بعد أن تصبح بمفردها، بل إنها تحث الزائر الجديد على مثل فعلها، وعندما يسألها: لماذا تقفين؟ تجيب ببساطة: لأن هذا ما يفعله الجميع.
- المشكلة أن هذه العقلية بقيت كإرث وكتراث ثقافي في معظم مجتمعاتنا رغم التعليم ونمو الثقافة، وتطور الوعي العام، فالناس وخاصة المتعلمين قد يرفضون بعض السلوكيات التي يحددها القطيع،لكنهم في معظم الأحوال لا يجرؤون على التصدي لها حتى لا يتهموا بالخروج عن الجماعة أو الشذوذ .. وهذا هو الأمر الذي دعم حضور هذه العقلية على الرغم من كل هذا الحجم من المعارف والثقافات ..
- لكن هنالك جانب آخر سهّل بقاءها وتغلغلها في الذهنية الجماعية، وهو ظهور وسائل اتصال سريعة شغّلت أهم أدواتها وهي الإشاعة .. فالإنترنت ورسائل الجوال أصبحت تقوم بدور الواشي التكنولوجي الذي يستطيع أن يوقظ هذه العقلية بكبسة زر متى شاء وكيف شاء .
- وإياك ثم إياك أن تقاوم "جزار القطيع" فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك "الجزار"، ويعرض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر.
- وإذا حاول أحد أفراد القطيع المقاومة، من أجل مصلحة القطيع سيتعرض للنطح والجراح من قبل أفراد قبيلته
ثم يموت. كما المثل الشعبي (قال المثل : حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس.)
- هكذا هم العرب وجميع الشعوب المتخلفة
منقادون كالعميان "للجزار"
وعندما يقترح احدهم تطويراً أو وقوفاً ضد المعتاد فأفراد القطيع هم أول من يقتله لأنه كفر بتعاليمهم وتقاليدهم التي رسخها في أذهانهم جزار القطيع..!
ويشرح الأستاذ بجامعة بنسلفانيا،جونا برجر، ما يدور في أدمغتنا من سلوك داخلي يسمى "المطابقة الاجتماعية" حيث نتعلّم في سن مبكرة أن نتتبع خطى مجموعتنا ونشعر بالحاجة للانضمام إليها حماية لنا من الاستبعاد، ولأن هذا يجعلنا نبدو اجتماعيين ويعطينا شعورا بالراحة. كما تدفعنا الرغبة في التشابه مع المجموعة للتصرف وفقا لنظرية المطابقة، رغم تأثيرها لا شعوريا على تفكيرنا.
كم يؤثر تعدد مصادر التأثير في بحث لعالم النفس الاجتماعي الأميركي سليمان آش حول تحديد العوامل والدوافع المحفزة للانسياق خلف سلوك المطابقة الاجتماعية، من بينها تعدد مصادر التأثير، فالأشخاص الذين يستمعون إلى آراء إيجابية من خمسة قراء عن أحد الكتب سيتقبلون الكتاب أسرع من أن يسمعوا وجهة نظر قارئ واحد فقط.
ويسهم الارتياب وعدم اليقين في لجوء الناس للعقل الجمعي طلبا للمساعدة، فقد أظهرت الأبحاث أن المستهلكين يأخذون بآراء الآخرين ويميلون إلى تصديقها عندما يحتارون في تقييم أو شراء سلعة.
ويعد التشابه أو التماثل مع المجموعات المحيطة محفزا على سلوك العقل الجمعي، فحينما يدرك المرء أنه مشابه للأشخاص من حوله، فهو يفضل أن يتبنى تصرفاتهم، لذا لوحظ أن ضحكات الأشخاص ترتفع عندما يشاركون من يماثلونهم.
كما ان الخوف من السخرية تعززسياسة القطيع وفي واحدة من تجاربه النفسية، وجد آش أن الناس كانوا على استعداد لتجاهل الحقيقة وإعطاء إجابة غير صحيحة من أجل التوافق مع بقية المجموعة حتى ولو كانت خاطئة.
حيث تم عرض مقطع لعمود واحد، ثم طلب من المشاركين اختيار العمود المطابق له من مجموعة تحتوي على ثلاثة أعمدة بأطوال مختلفة.
ومن بين 18 تجربة مختلفة، أعطى المشاركون إجابات غير صحيحة في 12 منها، وأشارت النتائج إلى أن المشاركين امتثلوا لإجابة المجموعة غير الصحيحة لاعتقادهم بأنهم أكثر ذكاء منهم.
وعندما سُئل المشاركون عن سبب مجاراتهم لبقية المجموعة في معظم التجارب، أجابوا بأنهم كانوا يعرفون أن بقية المجموعة خاطئة، إلا أنهم لم يرغبوا في المخاطرة بمواجهة السخرية.
وفقا لتجارب آش، يظهر تأثير المطابقة الاجتماعية أو العقل الجمعي في كل مناحي الحياة، ففي المسارح يصفق واحد من الجمهور فيصفق الجميع دون تفكير. وفي فن الإقناع تُظهر الدراسات أن اقتناع الشخص بالتبرع يزداد عندما يجد قائمة بمتبرعين آخرين يعرفهم.
وفي المفاضلة بين شيئين، يختار الناس المطعم أو المقهى الأكثر ازدحاما باعتبار أن الزحام يدل على الأفضلية. كما يزداد اقتناعهم بسلعة ما لكثرة الأشخاص الذين يشترونها، وليس بناء على السعر والميول الشخصية.
أيضا في الصحة، حيث القبول الساحق بأفكار غير مؤكدة وطرق علاجية غير مناسبة للعديد من المرضى لمجرد أنها رائجة.
وفي الموضة حيث يبدأ الكثير من الناس في ارتداء نمط معين من الملابس لمجرد انتشارها. وفي الموسيقى، عندما يستمع المزيد من الناس إلى أغنية معينة، فيتبعهم الكثيرون.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشر الأشخاص موضوعا دون التأكد من مصدره، لمجرد أنه مذيل بجملة "أرسله لأكبر عدد ممكن"، ويتجنبون مخالفة التعليقات السائدة غالبا.
فوائد سلوك القطيع
حصول الشخص على التأييد لقراره.
تحقيق الشخص لمصالحه الشخصية مستندا على الآخرين
, ويتخذ قراراته اليومية بناء على معارف وخبرات الآخرين .
مساوئ سلوك القطيع
إهمال الشخص لتفكيره وقراره الشخصي وذوبانه في الآخرين.
تعريض نفسه للأخطار وأحيانا للقتل_كما يحدث في أعمال الشغب_.
ربما يوجد قرار أفضل من القرار الذي اتخذته الجماعة فيضيع على نفسه فرصة الحصول على القرار الأفضل باتباعه للجماعة.
اما التوافق الاجتماعي فهو الذي يتشارك فيه الفرد مع المجموعة لكي يكون ناجحا ويتقبله الآخرون، وقد يكون له رأي أفضل من رأي المجموعة في موقف ما، وهو ما جسده هنري فوندا عام 1957 بدوره في فيلم "12 رجلا غاضبا" عندما أصر على وجهة نظره حتى أقنع بها بقية زملائه في هيئة المحلفين بعد معركة شرسة
إرسال تعليق